Saturday, January 12, 2008

زراعة الأعضاء بقلم الأستاذ نسيم ديب




زراعة الأعضاء البشرية والتبرع بها ...
بين التشريع والموقف الاجتماعي ..
nassem88@.maktoob.com
المتبرعون بنوك أعضاء متنقلة وبإنسانيتهم نصبح أغنى من كل بنوك العالم‏




يعتبر موضوع زراعة الأعضاء ونقلها والتبرع بها شديد الحساسية نظرا
لما يحمله من أبعاد اقتصادية واجتماعية إضافة لأبعاده الصحية والإنسانية.‏
فمن الناحية الاقتصادية والاجتماعية.. ثمة تجارة عالمية ناشطة في هذا المجال وتحقق ريعا خياليا
أغرى بعض ضعاف النفوس بالانحراف عن نبل وشرف الغاية الى الابتزاز والسمسرة
حتى بدأنا نسمع ونقرأ عن سوق سوداء للاتجار بالأعضاء وبورصة تضاهي
في أسعارها أسعار النفط والذهب, إن لم تتجاوزها بكثير كما كشف الستار عن بنوك عالمية للأعضاء
وصار التداول بها مشروعا ورسميا كما التداول بالعملة النادرة..هذا في الوقت الذي بدأت فيه
معظم الأسر تئن من تكاليف عمليات الزرع الباهظة كما تتكبد عناء أكثر في توفير المتبرع
مع ما يلازم هذا الجانب من اندفاع وتضحيات ضمن الأسرة الواحدة وتجاهل الأخطار
الناجمة عنه بتأثير من هذا الاندفاع.‏
ومن الناحية التشريعية والشرعية..ظهر ميل عند العديد من البلدان النامية
(ومن بينها سورية على وجه الخصوص) الى قوننة هذا العمل ومنحه الشرعية
والمشروعية حتى لا يتحول إلى تجارة وابتزاز بالأجساد والأرواح.‏
فماذا عن واقع زراعة الأعضاء والتبرع بها في سورية?وما التعلميات الناظمة لها?..
وما موقف التشريع والشريعة من عمليات الزرع..وهل أفلح القانون الجديد والتعليمات
الناظمة لزراعة الأعضاء في حماية هذا العمل الانساني النبيل والنهوض به من حمأة
التجارة الفاسدة بأعضاء وأرواح الانسان بما تنطوي عليه من ابتزاز وسمسرة
وهدر أحيانا للكرامة والعملة الصعبة خارج البلاد?!..‏
كل هذه الأسئلة وسواها كثير
هذه التحفظات وسواها سنتوقف عندها بشيء من التفصيل بعد أن نعرض لواقع
زراعة الأعضاء والتبرع بها في سورية فمن أين نبدأ?!‏
بين القديم والجديد‏
كانت زراعة الأعضاء ونقلها والتبرع بها تخضع في الجمهورية العربية السورية
لأحكام القانون رقم 31 لعام 1972 والقانون المعدل له رقم 43 لعام 1986
ويبدو أن هذا القانون لم يحقق الغاية التي صدر من أجلها وهي: تشجيع المواطنين
على التبرع ببعض أعضائهم من أجل انقاذ حياة أشخاص آخرين بحاجة اليها,
وقد أثبت التطبيق العملي قلة التبرعات التي حصلت خلال تلك الفترة من جهة,
ومن جهة أخرى ظهرت تجارة عالمية في هذا النطاق ما شكل خطرا كبيرا بالنسبة
للمرضى الذي هم بحاجة الى زرع بعض الأعضاء لدرجة أن البعض منهم
توفي لعدم توافر العضو الذي كان بحاجة اليه.‏
الأمر الذي دفع بالمشرع في الجمهورية العربية السورية أن يتدخل ويعدل الأحكام
الناظمة لزراعة الأعضاء وتشجيع عملية التبرع وتسهيل الاجراءات التي تخضع لها,
وبما ينسجم مع التطور العلمي المتسارع الخطا في هذا المجال ولا سيما عندما
أمكن حفظ بعض الأعضاء خلال السنوات الأخيرة في بنوك خاصة لحين الطلب.‏
فصدر القانون الجديد 30 تاريخ 20/11/2003 لزرع الاعضاء ونقلها وحفظها والتبرع بها.‏
كما صدر أيضا القرار التنظيمي رقم 73/ت تاريخ 7/11/2004 المتضمن التعليمات
الناظمة لزراعة الأعضاء وقبل الخوض في واقع زراعة الأعضاء في سورية
لا بد بداية من قراءة متأنية في التعليمات الناظمة لعمليات الزرع.‏
سلامة وصحة وكرامة‏
إن من يستطلع مواد القرار التنظيمي رقم 73/ت تاريخ 7/11/2004
بهذا الشأن يلمس مدى حرص المعنيين ووزارة الصحة على تنظيم آلية
وشروط هذا الزرع بما يضمن سلامة وصحة وكرامة الفريقين المتبرع والمتبرع له
وابقاء هذا العمل الخير النبيل في حيز الفعل الانساني الصرف.‏
ففي حال كان المتبرع على قيد الحياة أوجبت التعليمات: ألا يقع النقل على كامل عضو
أساسي للحياة حتى لو كان ذلك بموافقة المتبرع.‏
وألا يشكل التبرع بالعضو خطرا على حياة المتبرع ومدى حاجة المستفيد لعملية النقل.‏
مع أخذ تعهد خطي من المتبرع أن تنازله عن العضو المتبرع به ليس لقاء بدل مادي أو معنوي.‏
هذا في حالة الشخص المتبرع الى شخص آخر.. أما في حالة نقل الأعضاء من المتوفى
فإن التعليمات الناظمة أكدت على حفظ حقوق الميت وعدم الاساءة لكرامته إذ نصت على
ألا يجوز نقل الأعضاء أو الأحشاء أو جزء منها من ميت بغية غرسها لمريض
بحاجة اليها إلا بعد التأكد من الوفاة بموجب تقرير أصولي من لجنة طبية من ثلاثة أطباء.‏
كما أوجبت ألا يؤدي نقل الأعضاء الى احداث ما يسيء الى كرامة جثة المتوفى أو تغيير ملامحها.‏
كما نجد في التعليمات الناظمة بعض التحفظات على المتبرع القاصر والمتبرع المسن
وتبرع اللقطاء والوحيد لأهله وتبرع المقبل على خدمة العلم, وذوي المهن الشاقة
أو الخطيرة أو إذا كان المتبرع سجينا أضف الى ذلك:‏
إذا كان التوافق النسيجي لا يحقق النسب المطلوبة وإذا كانت عمليات الزرع بين معط وآخذ غير سوريين.‏
وعدم السماح للسوريين ومن في حكمهم بالتبرع لغير السوريين وبالعكس باستثناء الأصول والفروع.‏
وكل تلك التحفظات إنما جاءت من مبدأ الحرص على صحة وسلامة المتبرع والمتبرع له,
ولمنع الاتجار بالأعضاء ..أضف الى ذلك بعض الاعتبارات الاجتماعية الأخرى
التي تقدر اللجنة التحفظ أو الموافقة تجاهها..ولم تغفل التعليمات الناظمة
عن تحديد الفحوصات الواجب اجراؤها للمريض, وأيضا تحديد الشروط لمنح
التراخيص للمشافي الخاصة لاجراء عمليات زراعة الأعضاء من ناحية
توفير غرفتين للعمليات قطف وزرع مجهزتين بشكل يضمن سلامة المريض
مع غرفة انعاش في جناح العمليات على أن يتوفر التبريد والتكييف فيها
بشكل صحي باستثناء زرع القرنية, مع توفر عناية مركزة مجهزة وفق المعايير المعترف بها,
وبالنسبة لعملية زرع الكلى يجب توفر جهازي كلية صناعية ومراعاة التعقيم
والتهاب الكبد الفيروسي, مع ضرورة توفر احتياطي لكامل مستلزمات عمليتي
القطف والزرع في مستودع المشفى وصيدليتها تجنبا لأي ارباك قد يحصل
عند أي نقص خلال العمليتين, كما يجب توفر غرفة عزل كامل للمريض
الآخذ تحتوي على التجهيزات الخاصة بها.‏
أضف الى ذلك كله عدم اجراء عمليات الزرع إلا من خلال لجان مختصة
مؤلفة من ثلاثة أطباء من غير الفريق الذي سيقوم بعملية الزرع بالاضافة
الى طبيب استشاري من الفريق الذي سيقوم بالزرع, مع التأكيد على وجوب
احداث أرشيف خاص بملفات عمليات الزرع التي تجري في المشفى على أن تكون
معلومات هذا الأرشيف جاهزة في حال طلبها من قبل الجهات المختصة.‏
كما يحدث أرشيف خاص بأعمال اللجنة يحتوي على محاضر اجتماعاتها
وصورة عن ملف كل عملية تقوم بدراستها ومبررات موافقتها أو عدمها..‏
وهناك أفكار ايجابية للمباشرة بزرع أعضاء أخرى كالبنكرياس والكبد والقلب مع العلم
أنه وجد في سورية زرع القرنية وما يزال يتابع كما أنه أجري سابقا ثلاث عمليات
زرع قلب بشكل استثنائي.‏ و قد كان للمرسوم التشريعي
الذي أصدره الرئيس بشار الأسد رقم 30 لعام 2003
دور كبير
في تنظيم عملية الزرع في القطر بشكل علمي وأنساني وطبي
رائع وانطلقت مسيرة زرع الكلية في الطريق الصحيح وارتفع
عدد مرضى الزرع الكلوي في القطر بشكل مضطرد وايجابي وانعكس
هذا الارتفاع بانخفاض متدرج في عدد المرضى الذين يضطرون للسفر
خارج القطر للزرع أدى هذا الأمر الى عدة نتائج ملموسة وظاهرة للعيان.‏
1-توفير مبالغ كبيرة من الأموال بالعملة الصعبة كان المرضى ينفقونها خارج القطر.‏
2- تخفيف العبء الانساني والاجتماعي على المرضى وذويهم باللجوء
الى المستشفيات داخل القطر وتجنب السفر للخارج..‏
3- حسن متابعة المرضى من قبل نفس الأطباء الذين يعرفونهم وسيبقون
معهم طيلة فترة العلاج على عكس ما كان من انقطاع في مسؤولية الطبيب الزارع
بمجرد عودة المريض الى بلده وانقطاعه عن مراجعة مركز الزرع.‏
4- قطع الطريق على السماسرة والمرتزقة الذين استخدموا حاجة المريض
وسيلة للوصول الى الربح غير النظيف.‏
5- تحسين صورة بلدنا الحبيب أمام العالم بإنجاز عمليات الزرع الناجحة في القطر.‏
6- تنشيط السياحة الطبية مع قدوم المرضى من الدول المجاورة لإجراء الزرع
في مستشفياتنا وعلى أيدي جراحينا.‏
نحو تأسيس مركز وطني لزرع الأعضاء‏
واختتم الدكتور مصطفى الحبش حديثه بالقول: لا بد من أن نذكر أنه في الخطوة القادمة
في تطوير زرع الكلى في سورية لا بد من توفر الأمور التالية:‏
1- تأسيس مركز وطني لزرع الأعضاء مهمته الأساسية ربط كافة المراكز وتنسيق العمل
بينها على كافة المستويات (الكلى المتوفرة-المتبرعين-المرضى).‏
2- متابعة ودعم الاطر التدريبية للكفاءات الوطنية في هذا المجال بتوفير الامكانيات
المادية والمادة العلمية والمتابعة.‏
3- ربط مراكز زرع الكلى بشبكة معلوماتية متطورة تسمح بتنظيم وتنسيق
نقل وزرع الأعضاء بين المراكز وعن طريق المركز الوطني لزرع الأعضاء,
كما تسمح بتأسيس بنك للمعلومات يعتبر نواة لإجراء البحث العلمي
والتطوير في مجال زرع الكلية في القطر.‏
4- خلق الوسائل والأطر الكفيلة بدعم تبادل الخبرات والمعلومات مع الأقطار
العربية المجاورة ومستقبلا مع الدول الأوروبية والأجنبية.‏